ومع ذلك فلننزل إلى التاريخ القديم, وننظر ما الذي جاء به الأنبياء الكرام! ننظر من خلال الكتب السابقة للقرآن؛ وننظر أيضاً من خلال ما أثر أو نقل من الآثار المكتوبة أو المنقوشة وما أشبه ذلك.
نحن نجد أن هناك مادة عظيمة جداً تدلنا على أمر جاء, وتوضح في القرآن بأجلى ما يكون؛ لكنه قائم وقديم منذ القدم, وهو: أن الأنبياء جميعاً دعوا إلى نبذ عبادة ما دون الله تبارك وتعالى، ينبذون عبادة ما سوى الله, ويرفضون الشرك بالله تبارك وتعالى، ويحقرون عبادة الأصنام أو الحيوان أو مظاهر الطبيعة كما يسمونها, وما أشبه ذلك.
جاءوا بألا يعبد إلا الله تبارك وتعالى, ونحن نستطيع أن نستشف هذا من أخبار كثيرة للأنبياء الكرام صلوات الله وسلامه عليهم في العهد القديم، وأجلى ما يكون ذلك -كما قلنا- في القرآن.
إذاً: كل من يريد أن يكتب عن الأنبياء مع الإقرار بنبوتهم يلاحظ هذا الملحظ؛ أنهم يعترفون بأن المعبود الخالق تبارك وتعالى واحد لا شريك له، وأنه لا نسبة على الإطلاق بينه وبين شيء من مخلوقاته, أو ما عبد من دونه تبارك وتعالى.
فلذلك نجد أن هذا الركام الهائل من الأصنام والمعبودات والوثنيات التي تنقل عن الأقدمين -عن بابل سومر، وعن القدماء في الحضارات الشرقية والغربية, وفي الشرق الأوسط, وفي الصين وفي الهند, وفي أمريكا الجنوبية والوسطى وغير ذلك- كل هذا الركام والخرافات والأساطير انحطاط بالعقل البشري إلى ما هو أدنى وأقل من العقل البهيمي؛ وانحطاط بالعقل البشري من أن يكون مستنيراً بنور معرفة الله تبارك وتعالى؛ إلى أن يعبد ما يصنعه وينحته بيده من الحجارة أو من الخشب وما أشبه ذلك، وهذا بلا شك فارق عظيم جداً بين الارتفاع والسمو والرقي الروحي والأخلاقي والديني لدى البشرية، وبين ما عدا ذلك من الهبوط في دركات الانحراف العقلي والروحي والخلقي في دركات دنيا مشاهدة لدى كثير من الشعوب؛ تنشأ عنها في النهاية المظالم والمفاسد العظيمة جداً؛ لأن أعظم أنواع الظلم هو الشرك بالله تبارك وتعالى، ينشأ من ذلك أن يتسلط الجبارون والمتكبرون والطغاة والمتمردون على الله؛ لأنهم يرون أنهم -وهم بشر- أعظم من أن يكونوا كهذه الجمادات، فيدعون الألوهية -تعالى الله عما يشركون- ويتسلطون على الأمم، ويسفكون دماء الشعوب ويدمرون الحضارات.
وهكذا تصطرع البشرية وتصطخب, ويموج بعضها في بعض بألوان من الأحداث والفتن، وأنواع من الظلام والدمار الخلقي والروحي، وكل ذلك ناشئ عن الشرك بالله تبارك وتعالى، ومن ترك ما جاء به الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم من الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له, وألا يعبد شيء سواه تبارك وتعالى، فكل ما عدا الله فهو مخلوق, وهو مربوب, وهو خاضع لله تبارك وتعالى.
أضف تعليقا
تنويه: يتم نشر التعليقات بعد مراجعتها من قبل إدارة الموقع